نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بين تفاؤل براك وثوابت "حزب الله"... أي سيناريوهات تنتظر المرحلة المقبلة؟ - بوابة اخر ساعة, اليوم الثلاثاء 8 يوليو 2025 05:28 صباحاً
على غير ما توقّعته بعض الأوساط السياسية، خرج المبعوث الأميركي توم براك بعد لقائه رئيس الجمهورية جوزاف عون في قصر بعبدا صباح الإثنين، بتصريحاتٍ بدت في غاية الإيجابية، تحدّث فيها عن "فرصة يجب على الجميع انتهازها لإنهاء النزاع بين لبنان وإسرائيل"، وذلك بعد ساعات فقط من خطاب للأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم، اعتبر كثيرون أنه أفرغ المبادرة الأميركية من مضمونها، بل نسفها في مكانٍ ما.
أكثر من ذلك، قال براك إنّ الردّ اللبناني الذي تلقّاه على مقترحاته "غنيّ بالأفكار"، وعبّر عن تقديره للسرعة واللهجة المتزنة التي ورد بها، وإن أوضح أن الإدارة الأميركية ستتعمّق في دراسته في المرحلة المقبلة، تصريح بدا مفاجئًا لكثير من الأوساط، التي كانت تتوقع لهجة أميركية "أكثر صرامة"، خصوصًا أن المقترحات المطروحة ترتكز إلى نزع كامل لسلاح "حزب الله" بحلول نهاية العام الحالي كحدّ أقصى.
ولعلّ الانطباع السلبي السابق كان مبرَّرًا في ضوء الوقائع القائمة، خصوصًا بعد خطاب الشيخ نعيم قاسم في ذكرى عاشوراء، والذي وُصِف بأنه "حادّ اللهجة"، وأعلن فيه رفض الحزب لأي نقاش بشأن مصير السلاح أو غيره من الملفات، قبل تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، أي انسحاب إسرائيل من كل المناطق التي احتلّتها، ووقف الاعتداءات والخروقات اليومية للسيادة اللبنانية. وقال قاسم بوضوح إن "الدفاع عن لبنان سيستمرّ حتى لو اجتمعت الدنيا بأجمعها لثنينا".
ورغم إبداء قاسم بعض "المرونة" بشأن إمكانية النقاش لاحقًا، إلا أنه شدّد على ضرورة حصر ذلك بالحوار الداخلي، في إطار استراتيجية دفاعية يتفق عليها اللبنانيون، رافضًا ما وصفه بـ"الإملاءات والضغوط الخارجية"، في إشارة غير مباشرة إلى المقترحات الأميركية. فكيف يُفهم هذا المشهد في سياقه العام، وما هي السيناريوهات المحتملة للمرحلة المقبلة، بين التهدئة والتصعيد؟.
في المبدأ، يبدو أن براك تعمّد في تصريحاته اعتماد لغة "الشريك" لا "الراعي"، حين قال إنّ الولايات المتحدة لا تملي على اللبنانيين ما يجب فعله، بل تسعى إلى مساعدتهم إن أرادوا التغيير. وتكمن في هذا الموقف إشارات عدة: أولها، أن المقترحات الأميركية قابلة للنقاش والتعديل، خلافًا لما أُشيع عن رفض واشنطن لأي تعديل عليها، وثانيها، أن الغارات الإسرائيلية المكثّفة مؤخرًا، والتي فسّرها البعض على أنها "تمهيد لتفاوض بالنار"، لا تعني بالضرورة نية مبيتة للحرب، بل قد تكون محاولة للضغط الميداني قبل التسوية. وقد كان لافتًا تأكيد براك أن إسرائيل "لا تسعى للحرب مع لبنان".
لكن ذلك لا يعني أن "الفرصة المتاحة" التي تحدث عنها براك في متناول اليد فعلًا، إذ إن "التغيير" الذي دعا إليه قد يُفهَم في الضاحية الجنوبية على أنه محاولة لتثبيت موازين القوى لمصلحة إسرائيل، إذا لم يُرفَق بضمانات واضحة كما يشترط "حزب الله"، خاصة بعد حرب دامت شهورًا، أنهكت المجتمع اللبناني من دون أن تكسر فعليًا القدرات العسكرية الكاملة للحزب، بدليل الاشتباك السياسي الحاصل حول مصير سلاحه.
بهذا المعنى، لا يمكن فصل التصريحات الأميركية عن الموقف الرسمي لـ"حزب الله" الذي عبّر عنه الشيخ نعيم قاسم، حين رسم سقفًا تفاوضيًا واضحًا: لا نقاش في الاستراتيجية الدفاعية أو مستقبل السلاح قبل الانسحاب الإسرائيلي ووقف العدوان، وبعد ذلك فقط، يمكن طرح الملفات الخلافية ضمن إطار وطني داخلي، بعيدًا عن الضغوط والإملاءات، من أيّ جهة أو طرف، ومن دون تدخلات خارجية.
ولعلّ المعنى الضمني هنا أن "حزب الله" لا يرفض أصل التفاوض من حيث المبدأ، لكنه يشترط لذلك حزمة أولويات، على رأسها وقف الغارات الإسرائيلية، وانسحاب الاحتلال من كلّ الأراضي اللبنانية، ولا سيما النقاط التي سيطر عليها بعد الحرب الأخيرة، وتعهدات حقيقية بعدم المسّ بالتوازن الداخلي اللبناني، خصوصًا أنّ الحزب يصرّ على أن يدخل المفاوضات من موقع قوة، وليس من موقع ضعف، كما يريده البعض في الداخل والخارج أيضًا.
وهذا الموقف، وإن لم يكن رفضًا رسميًا لمبادرة براك، إلا أنه فعليًا يفرغها من مضمونها الزمني، وفق تقديرات كثيرة، إذ يؤجل النقاش إلى ما بعد ترتيبات ميدانية لا تزال بعيدة المنال. وقد أشارت بعض المعطيات إلى أن الردّ اللبناني الذي تسلّمه براك يتبنّى في جوهره هذا الطرح، حيث يربط أي خطوات أمنية بانسحاب إسرائيلي فعلي، مع تأكيده مبدأ التدرّج واحترام السيادة الوطنية.
استنادًا إلى ما تقدّم، السؤال الجوهري يبقى: كيف ستتلقّف واشنطن وتل أبيب هذا الرد، بعيدًا عن إيجابية براك؟ هل ستعتبرانه خطوة إلى الأمام يمكن البناء عليها، أم أنّه إشارة إلى رفض مقنّع سيقود إلى جولة جديدة من الضغوط وربما التصعيد، خصوصًا أن إسرائيل ما زالت تواصل قصفها في الجنوب؟.
في ضوء ما تقدّم، يمكن الحديث عن عدّة سيناريوهات محتملة للمرحلة المقبلة، أولها تثبيت التهدئة وفتح قنوات جديدة، ما يسمح بتخفيف التصعيد تدريجيًا، إذا ما اقتنعت واشنطن بأنّ الرد اللبناني يمثل الحدّ الأقصى الممكن واقعيًا، في مقابل سيناريو آخر يقوم على استمرار الضغط، بأشكال سياسية وإعلامية، إذ قد تعتبر واشنطن أنّ الرد غير كاف، فتعود إلى التلويح بأوراق في حوزتها كخفض الدعم الدولي، أو حتى العقوبات على بعض القوى والشخصيات السياسية.
أما السيناريو الثالث، الذي يبقى مطروحًا دائمًا، ولو كان مستبعَدًا في ظلّ الظروف الحاليّة، فهو التصعيد الميداني من جانب إسرائيل، في حال استشعرت تل أبيب أنّ لبنان غير منفتح على تعديل موازين القوى، وذلك بهدف محاولة إعادة فرض شروطها بالقوة قبل أيّ نقاش جديد، ولو اضطرت إلى الدخول في حرب جديدة، أو خوض جولة قتال أخرى، علمًا أنّ تصعيد الأيام الأخيرة قد يحمل بين طيّاته رسالة ضغط بهذا المعنى.
في النتيجة، يبقى الموقف الذي أطلقه برّاك من لبنان بمثابة إشارة أولى إلى قبول مبدأ التفاوض على الرد اللبناني، لكن ليس بالضرورة قبول مضمونه بالكامل. وفي المقابل، يظهر "حزب الله" مستعدًا للتفاعل لكن ضمن معادلاته، لا ضمن "روزنامة" وضعت خارجيًا، ما يفتح باب الأسئلة على مصراعيه: فهل تدخل الأطراف في مرحلة تدوير زوايا وصياغة حلول وسط، أم تذهب البلاد نحو تصعيد جديد، يُخشى أن يكون هذه المرة "تفاوضًا بالنار"؟.
0 تعليق