نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
"قصة كفاح ونجاح" مهاجر مصري - بوابة اخر ساعة, اليوم الأربعاء 2 يوليو 2025 11:45 مساءً
ليست كل السِّيَر سواء، وليست كل التجارب صالحة لأن تُروى. لكن كتاب "قصة كفاح ونجاح" للكاتب الصحفي الدكتور محمد ثروت يفعل أكثر من ذلك؛ فهو لا يروي سيرة رجل أعمال فحسب، بل ينسج ملحمة إنسانية عن رجل انتزع من القاع ما يوصله إلى القمة. عنان الجلالي لم يولد وفي فمه ملعقة ذهب، بل بدأ غاسلًا للصحون، نائمًا في الملاجئ، يبحث عن الطعام بين النفايات، لكنه امتلك ما لا يُشترى: إرادة ترفض الانكسار. وفي سرد الدكتور محمد ثروت، لا نقرأ مسيرة صعود، بل انبعاثًا من رماد.
من صفحات الكتاب، نتابع لحظة التأسيس لشركة "هلنان"، الاسم الذي جمع بين الحلم والهوية. لم يكن مع عنان سوى 200 ألف كرونة حين طلب من البنك الدنماركي قرضًا بعشرين مليونًا. لم يرهن بيته الوحيد، ولم يقدم ضمانات، لكن سمعته الطيبة كانت كفيلة بإقناع البنك خلال ثلاثين ساعة فقط. يسجل ثروت هذه المفارقة ليكشف كيف تتحول الثقة بالنفس إلى رأس مال حقيقي. وكان أول استثمار له فندق "فينيكس" التاريخي، الذي حمل اسم طائر العنقاء، رمز البعث بعد الاحتراق، وكأن ثروت يقارن بين هذا الطائر الأسطوري وبين مسيرة بطل كتابه.
ويتتبع الكتاب توسّع "هلنان" إلى أوروبا والولايات المتحدة، وكيف أصبحت للفكرة جذور، وللرؤية أجنحة. يشير ثروت إلى استحواذ الجلالي على فندق "مارسيليا" في آرهوس، ثم فندق "سالستجوبادن" التاريخي في السويد، مرورًا بـ"ساورهوف" في النمسا، وكلها مشاريع استعاد بها عنان الحياة من بين أنقاض الزمن. لم يكن الاستثمار في الأبنية فقط، بل في الذاكرة والهوية والتاريخ. يُبرز الكتاب هذه الفلسفة التي حكمت اختيارات الجلالي، فلم يكن يشتري فندقًا بقدر ما يعيد إليه روحًا غابت، وكأن ثروت يكتب عن ترميم الإنسان أكثر من ترميم الجدران.
ثم يعود محمد ثروت إلى لحظة العودة للوطن، حين اختار الجلالي أن يترك أوروبا ليستثمر في مصر، ويُطلق أول فندق تديره "هلنان" محليًا: فندق شبرد. لكن الحلم اصطدم بجدار الواقع البيروقراطي، فتُسحب منه إدارة الفندق رغم استمرار العقد. يوثق الكتاب تفاصيل هذه الأزمة، ويبيّن كيف واجهها الجلالي دون أن ينكسر، بل صعد بها إلى منصة التحكيم الدولي مطالبًا بحقوقه كاملة. وفي مواضع كثيرة، يشدد ثروت على أن عنان لم يكن ينظر إلى الوطن كصفقة، بل كرسالة، وأنه حين جلس إلى مائدة الطعام، لم يفرّق بين مدير وعامل، لأن الكرامة عنده لا تُجزّأ.
وفي ختام الكتاب، يرسم محمد ثروت لوحة شديدة الإنسانية. نرى عنان ضيفًا على البيت الأبيض، يتحدث مع الرئيس أوباما لأكثر من ساعتين عن رحلته من الفقر إلى الريادة، كما نراه صديقًا للعائلة المالكة في الدنمارك، وشاهدًا على لحظات خاصة في خان الخليلي والأهرامات وقصور المنتزه. لكنه في النهاية، كما يختم ثروت، رجل يصلّي عند الروضة الشريفة، ويكتب من المدينة المنورة بكلمات هادئة عن الامتنان. سيرة لا تُختزل في المال، ولا تُقاس بالنجاح، بل تُحكى لأن فيها ما يُلهم وما يُبقي الإنسان حيًا في الذاكرة. كتاب "قصة كفاح ونجاح" ليس مرآة لحياة فرد، بل مرآة لحلم لا يموت.
0 تعليق