عاجل

من رماد الحرب إلى جذوة الأمل: الدور الأردني في إطفاء حرائق سوريا - بوابة اخر ساعة

0 تعليق ارسل طباعة
 

في اللحظة التي كانت فيها ألسنة النيران تلتهم غابات اللاذقية، امتدت يد الأردن سريعًا، لا لإخماد اللهب فقط، بل لترسيخ رسالة إنسانية عميقة، مفادها أن الأردن لا يقف متفرجًا حين تستعر الحرائق في جسد الأمة، بل يهبُّ شقيقًا، سندًا، وصوت ضمير عربي لا يعرف التردد.

لكن ما جرى في اللاذقية، رغم رمزيته، لا يختصر الحكاية. فالسؤال الأهم الذي يفرض نفسه بإلحاح هو:

هل يستطيع الأردن أن يطفئ حرائق السياسة، والاقتصاد، والاجتماع، التي نهشت الجسد السوري طوال أكثر من عقد؟

الجواب، لا يأتي من باب الأمنيات، بل من صلب الواقع السياسي والجغرافي والإنساني الذي يربط الأردن وسوريا بعروة وثقى، تتجاوز اعتبارات السياسة اللحظية إلى عمق تاريخي ووجداني مشترك، تشهد له الجغرافيا، وتؤكده الأزمات التي لم تكسر العلاقة بين الشعبين، بل زادتهما تلاحمًا.

من هنا، يبرز الدور القيادي للقيادة الهاشمية، التي ما انفكت تتحرك بحكمة واتزان، مستندة إلى دبلوماسية أردنية رصينة، متجذرة في الواقعية والإنسانية، جعلت من الأردن نموذجًا إقليميًا في بناء الجسور بدل الحواجز، والحلول بدل التصعيد. هذه الدبلوماسية، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، قادرة على أن تقود مسارًا عربيًا ودوليًا جادًا نحو إطفاء الحريق السوري الكبير، سياسيًا، اقتصاديًا، واجتماعيًا.

وإذا كانت سوريا تبحث عن مخرج حقيقي من نفق الانقسام والدمار، فإن التجربة الأردنية في التحديث السياسي والتحول الديمقراطي يمكن أن تُشكّل نموذجًا ملهمًا، قائمًا على التوازن بين الأمن والانفتاح، بين مؤسسات الدولة وقيم المشاركة والمواطنة. هذه التجربة ليست مثالية، لكنها واقعية، ومرّت بتحديات مشابهة، ما يمنح الأردن مصداقية أكبر في أن يلعب دورًا فاعلًا في دعم سوريا على طريق بناء دولة مدنية ديمقراطية

إن استمرار العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا لا يفاقم فقط معاناة النظام، بل يدمر ما تبقى من قدرة السوريين على العيش بكرامة. وهذه العقوبات أصبحت وقودًا لحريق اقتصادي واجتماعي لا يقل ضراوة عن نيران الحرب.

وهنا، يجب أن يتصدر الأردن مشهد المطالبة الدولية بوقف هذا النزيف، عبر قيادة تحرك دبلوماسي واسع، يطالب برفع العقوبات، ويفتح الأبواب أمام مشاريع إعادة الإعمار، والتبادل الاقتصادي، وإطلاق مشاريع مشتركة في الطاقة والمياه والنقل وغيرها ، تعيد للحياة نبضها في المدن السورية المدمرة، وتحوّل الألم إلى عمل، والركام إلى فرص.

الأردن، الذي احتضن أكثر من مليون لاجئ سوري، لا يملك ترف الحياد. فملف اللاجئين ليس رقمًا في إحصاءات الأمم المتحدة، بل واقعًا يوميًا يعيشه الأردن بكل أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

لكن العودة لا يمكن أن تتحقق دون مصالحة وطنية حقيقية، تعيد اللحمة بين أبناء الوطن الواحد، وتؤسس لعقد اجتماعي جديد، يعترف بالجميع، ويقصي منطق الانتقام لصالح ثقافة الغفران والمستقبل.

لقد أثبت الأردن أن لديه من الحكمة والرصانة ما يؤهله للعب دور الوسيط النزيه، والداعم الأمين، والمبادر القادر. من الغابات المشتعلة إلى الجبهات المتصدعة، يحمل الأردن مشعل الأمل، ويضع على الطاولة أوراق قوة سياسية وإنسانية واقتصادية، قادرة على أن تُحدث فارقًا حقيقيًا في المشهد السوري.

في منطقة أنهكتها الحروب والمؤامرات، ينهض الأردن كصوت عقل، ومركز توازن، ومفتاح للحل.

فمن لهيب الحرب، يولد الأمل. ومن رماد الحرائق، ينهض مشروع حياة.

والأردن، بقيادته الهاشمية الحكيمة، ودبلوماسيته النشطة، وتجربته السياسية المتقدمة، ليس فقط قادرًا على لعب هذا الدور، بل هو مؤهل ومطلوب منه أن يقوده، من أجل سوريا، ومن أجل المنطقة بأسرها ، ليعود لها شيئا من الامل والثقة والاستقرار .


إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق