كتب كمال ميرزا -
بعد (21) شهراً من حرب "الإبادة والتهجير" كم مرّة تكرّر "النمط" نفسه؟!
فجأة يحمى الوسطاء العرب وينشطون..
فجأة يحمى المبعوث الأمريكيّ وينشط..
فجأة يكثر الحديث عن اتفاق وشيك..
فجأة يكثر الحديث عن خلافات بين الرئيس الأمريكيّ (بايدن سابقاً وترامب حاليّاً) ورئيس عصابة الحرب الصهيونيّة "نتنياهو"، وقيام الأول بتقريع الثاني والضغط عليه..
فجأة يكثر الحديث عن خلافات داخليّة بين أعضاء عصابة الحرب الصهيونيّة، أو بينهم وبين خصومهم السياسيّين، أو بين المستوى السياسيّ والمستوى العسكريّ والأمنيّ..
وما بين شدّ وجذب: اليوم.. غداً.. نهاية الأسبوع.. الأسبوع الذي يليه.. هناك خلافات.. هناك انفراجة.. متشائمون.. متفائلون.. سافر الوفد المفاوض.. عاد الوفد المفاوض.. الوفد يملك تفويض.. الوفد لا يملك تفويض..
وهكذا دواليك!!
كمّ مرّة تكرّر هذا النمط، وكم مرّة تكرّر هذا "الفيلم المحروق"، ومع هذا تصرّ وسائل إعلامنا ونصرّ نحن معها على أن "نستغشم" و"نستهبل" ونتعامل مع الأمر وكأنّه يحدث لأول مرّة، مغفلين ومتعامين عن حقيقة أنّ الهدف من مثل هذه المناورات هو:
ـ تخفيف الضغط على الكيان الصهيونيّ وعصابة حربه.
ـ شراء الوقت على حساب دماء الفلسطينيّن ومعاناتهم اليوميّة.
ـ استنفاد مشاعر أهالي غزّة وطاقة الصبر والتحمّل لديهم من خلال "تعشيمهم"، ورفع منسوب الأمل والرجاء والترقّب لديهم، ومن ثمّ "الفقسة" وخيبة الرجاء.
ـ إعطاء هامش لأعوان العدو الصهيوـ أمريكيّ وأذنابه للإفصاح عن مكنوناتهم، وممارسة الدور الوظيفيّ القذر الذي يلعبونه، والضغط على فصائل المقاومة، وتحميلها مسؤولية فشل التهدئة بسبب تعنّتها ورفضها تقديم تنازلات، واتهامها بأنّها لا تعبأ بمعاناة الشعب الفلسطينيّ وعذاباته.
وحتى في المرّتين اليتيمتين اللتين تمّ فيهما التوصّل إلى اتفاق فعليّ، فقد تبيّن أنّ ذلك كان بهدف:
ـ امتصاص الإحتقان المتنامي داخل الكيان الصهيونيّ.
ـ ترميم صورة وشعبيّة عصابة الحرب الصهيونيّة وزعيمها الكلب المسعور "نتنياهو".
ـ تخفيف الضغط على ماكينة القتل الصهيونيّة، وإعطاء جنودها ومرتزقتها ومرتّباتها الفرصة للراحة والتقاط الأنفاس، وترميم معنوياتهم المنهارة، وإعادة بناء استحكاماتهم وشحذ ترسانتهم وأسلحتهم ومراجعة أساليبهم ومُقارباتهم.. خاصة بعد كلّ جولة إخفاق مُنيت بها خطّطهم وتكتيكاتهم العسكريّة.
ـ تثبيت واقع جديد على الأرض في إطار القضم البطيء لقطاع غزّة، ومعابره، والمحاور التي تقسمه وتقطّع أوصاله، والمنطقة العازلة المزعومة التي تفصل بينه وبين خطوط التماس مع الداخل الصهيونيّ.
ـ شرعنة موطئ القدم الذي تحاول الإدارة الأمريكيّة تثبيته لها داخل قطاع غزّة (الميناء العائم سابقاً ومؤسسة غزّة الإنسانيّة حالياً) ليكون بمثابة "مسمار جحا" أو "حصان طروادة" الذي ستستغله في المستقبل من أجل إحكام هيمنتها على القطاع بعد أن يُرهق ويستنزف الطرفين الصهيونيّ والفلسطينيّ بعضهما البعض.
وكما شهدنا في المرّتين السابقتين، متى ما تمّ إرساء هذه الغايات، ومتى ما استقرّ العدو القذر واستراح، كان يعمد فوراً إلى انتهاك ما تمّ الاتفاق عليه مستأنفاً القتل والدمار و"مهمته" القذرة، وضارباً بعرض الحائط وساطة الوسطاء وضمانات الضامنين وشجب الشاجبين وإدانة المدينين.. لماذا؟!
لأنّ الحرب التي يشنّها العدو الصهيوـ أمريكيّ في غزّة (والضفّة) منذ اليوم الأول هي حرب "إبادة وتهجير"، وما تزال حرب "إبادة وتهجير"، وستبقى حتى إشعار آخر حرب "إبادة وتهجير".
"الإبادة والتهجير" هنا ليست وصفاً لما يقترفه العدو على الأرض، بل هي عنوان المشروع/ المهمّة التي ينفّذها هذا العدو القذر وأعوانه.
بكلمات أخرى، ما يحدث ليس "إبادة وتهجير" لأنّ العدو يقوم بالقتل والتدمير والتنكيل، وإنّما العدو يقتل ويدمّر وينكّل لأنّ ما يقوم به هو "الإبادة والتهجير"!
وعليه، فإنّ أي قول أو فعل يصدر عن العدو يجب أن يُقرأ من منظور "الإبادة والتهجير"، وإلى أي مدي يصبّ بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في "الإبادة والتهجير".. حتى وإن كان الحديث يجري عن مفاوضات وتهدئة وهدنة ووقف إطلاق نار وإطلاق أسرى وإدخال مساعدات!
طبعاً المقاومة وفصائلها مضطرة للتعامل مع المفاوضات كجزء مما تمليها عليها الإدارة الحصيفة للصراع والمواجهة، ولكنّها في الوقن نفيه أكثر مَن تدرك أنّ مشروع "الإبادة والتهجير" لا تنهيه مفاوضات، ولا تنهيه اتفاقات، ولا تنهيه وساطات، ولا تنهيه ضمانات.. بل تنهيه الهزيمة العسكريّة والحقائق على الأرض والوقائع في الميدان.
وفي المقابل، أي طرف يدّعي أنّه حريص على غزّة وأهلها، وحريص على وقف "الإبادة والتهجير"، ولكنّه في الوقت نفسه ليس مستعدّا لدعم غزّة وأهلها وفصائل مقاومتها لتحقيق النصر في الميدان، وتثبيت الحقائق على الأرض.. هذا الطرف كاذب ومنافق ومساهم في تنفيذ مخطّط "الإبادة والتهجير" أدرك ذلك أم لم يدرك!
0 تعليق