نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
السودان.. قصة وطن يضيع ! - بوابة اخر ساعة, اليوم الاثنين 7 يوليو 2025 01:23 صباحاً
ومع هذه الصورة السوداء القاتمة التي ما زالت مستمرة في تجدّد القتال العنيف بين القوات المسلحة والدعم السريع في غرب كردفان تزداد الأزمة في السودان، وتكتسب أبعاداً أكثر فداحة، وأشد تعقيداً، فبعد أن كانت مجرد «تمرد»، في رقعة محدودة، أصبحت اليوم حرباً إقليميةً بما شهدته من توتر في المنطقة الحدودية مع ليبيا مؤخراً..
وأستطيع دون مواربة أن أشير بأصبع الاتهام المباشر إلى جماعة الإخوان، التي أحكمت قبضتها على السودان منذ انقلاب (الترابي – البشير) في العام 1989م، وسعيها إلى إنزال مشروعها الحضاري، بتغيير في بنية المجتمع ومؤسساته، في مشهد لا واصف له إلا أنه «عملية إفراغ دولة في حزب»،
وفقدت بعض الأجهزة صفتها القومية وأصبحت ألعوبة في يد «الإخوان»، الذين ذهبوا أبعد من ذلك باصطناع مليشيات بدءاً من «الدفاع الشعبي»، مروراً بـ«الدعم السريع» و«المشتركة»، و«البراؤون»، وعشرات الجماعات التي باتت تتناسل وتتكاثر كل يوم في مشهد عبثي و«تراجيكوميدي»، باعثاً على البؤس، ومضيفاً مزيداً من الوقود إلى حريق السودان الذي انتشر وعمّ كل ربوعه..
ولست بمتجنٍّ ولا متجاوز الحقيقة عندما ألقيت باللوم على «الإخوان» بتحميلهم كامل التبعية فيما يحدث، فقد كان ممكناً تدارك هذه الأزمة في بداياتها، عندما هبّت المملكة العربية السعودية وهيّأت «منبر جدة» ليتفاوض السودانيون فيما بينهم، وكلّما أوشك الجميع للوصول إلى حلّ يرضي الجميع، برزت الأيدي الخفية لجماعة الإخوان، وحرّكت الملف باتجاه تعميق الأزمة، وتأجيج نيران الصراع، والإيحاء بأن لا حل إلا عبر البندقية. والأدهى من ذلك أن ملف السودان جعل المغامرين والحالمين باستعادة سلطتهم المنهارة يطوفون به بين الدول رجاء حل يوافق ميولهم، فمن المنامة إلى إسطنبول إلى طرابلس إلى القاهرة، في مشهد لا يخرج عن دوائر التشكيك، وإطالة أمد الحرب، والمحصلة أن كل هذه المحطات انتهت بهم إلى الإشارة علناً أو ضمناً بضرورة العودة إلى «جدة»..
وهنا تكمن الأزمة ويستوطن الأسى، فليت «إخوان» السودان حكّموا العقل، وأدركوا أن سلطتهم قد زالت إلى غير رجعة، وأن السودان يتهيّأ لأمر جديد، أسوة بما حصل في سوريا التي وجدت العون والسند من المملكة العربية السعودية وقيادتها الحكيمة، فها هي تنهض مما لحق بها في عهد «الأسد»، فقد كان خليقاً بالسودان وجديراً به أن يسبق سوريا إلى ذلك لو أن الماسكين بزمام الأمر فيه ملكوا قدراً من الوعي، وشيئاً من البصيرة، وكثيراً من الحكمة لتجنيب بلادهم ما حاق ويحيق بها اليوم من دمار وتشتت، وأوبئة، ومستقبل مظلم.
والمؤسف والداعي إلى الأسى أن يحاول البعض إيهام نفسه والآخرين بقرب انتهاء هذه الحرب، والتأكيد على نصر زائف لن يتحقق عبر البندقة مهما اشتد زنادها، وشواهد التاريخ في بلد السودان ماثلة ومذكرة بما انتهى إليه الصراع المسلح في الجنوب..
إن ما يدور في الساحة السودانية من متغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية يوشك أن يوصلنا إلى قناعة أنه ماضٍ إلى التشظي والانقسام والانشطار إلى دويلات لا تملك أي منها مقوّمات الحكم المفرد دون تداعيات كارثية، فالتلويح الأخير الذي قام به «الدعم السريع» بتكوين حكومة في مناطق سيطرته يعطي النذر الأولى، وإن لم يحظَ بالتأييد والمساندة، بل بالممانعة والرفض، وهو أمر ربما يصمد لأمد، لكنه في المقابل قد يتغيّر بتغير نواتج الحرب المستعرة الآن، ونذر مشاركات إقليمية فيها..
ومن المهم كذلك أن نستصحب التناقضات الكبيرة التي يمور بها المشهد في المناطق التي تسيطر عليها السلطة الحاكمة في بورتسودان، بعد ارتحالها من الخرطوم، فكل المحاولات الجارية لتشكيل حكومة مدنية، بعد اختيار الدكتور كامل إدريس، رئيساً مكلفاً لمجلس الوزراء، تصطدم بمطامع الفرقاء المشاركين في الحرب ضد الدعم السريع، خاصة الكتل المسلحة المنسوبة إلى منطقة غرب السودان، من حركة تحرير، أو مشتركة، وهو ملف تمسكه حركة الإخوان من وراء ستار، وتسيّر دفته كيفما شاءت، وتفرض أجندتها وخياراتها، ساعية نحو تموضع نفسها في السلطة عبر كوادر الصف الثاني من غير المعروفين من قيادتها الوسيطة، مما نشطت معه دوائر الكشف عنهم والتأكيد على انتمائها لجماعة الإخوان.
والحال كذلك ستظل أزمة السودان تراوح مكانها، وسيظل مستقبل هذا الوطن رهناً بمغامرة هذه الجماعة التي غيّرت وجه السودان، وخلخلت بنيته الاجتماعية، وأهدرت موارده الاقتصادية، ورهنته إلى مستقبل مسيّج بالاحتمالات الكارثية، ما بين تفتيت، وسلطة مغامرة، وموت زؤام، وحرب مستمرة لا تبقي ولا تذر.
اللهم آمنّا في أوطاننا وأبعد عنا ما يكدر صفو أيامنا واحفظ علينا ولاة أمورنا.
أخبار ذات صلة
0 تعليق