نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
في مرآة حمزة شحاتة:
كيف أضعنا حياتنا التي نحب.. لإرضاء الآخرين ؟ - بوابة اخر ساعة, اليوم الجمعة 4 يوليو 2025 12:34 صباحاً
في كل مرة أعود إلى قراءة مقالات الراحل حمزة شحاتة، أشعر وكأنني ألتقيه فعلاً.
لا أملّ من الغوص في عباراته، ولا أكفّ عن ملاحقة تفاصيلنا في مقالاته ونصوصه. ليس لأنه أديب أو مفكر عميق وحسب، بل لأنه كان إنساناً صادقاً يرى الحياة بعمق، ويكتب عنها بصدق عارٍ من التزييف والخوف والتبعية المجتمعية.
حمزة شحاتة، الذي رحل عن هذا العالم قبل أن أولد بأعوام، لا يزال يتحدث عن أعماقنا كأنه جالس على طرف هذا الزمن، يتأمل ما آلت إليه أحوالنا، ويسأل نيابة عنا: هل نحن حقاً نعيش حياتنا كما هي تخصنا.. أم نعيشها كيفما يعجب الآخرين؟!
حين كتب حمزة شحاتة، مقاله «من أنا؟» لم يكن يخطّ معاناة شخصية بقدر ما كان يُفكك هندسة الوعي في مجتمعاتٍ تُرهق الشخصية الفردية الصافية، وتفرض الرتابة والالتزامات عليها، بحكم الحاجة والمستقبل والعادات ونظرات المجتمع على حساب جوهر الحرية الإنسانية.
لقد أدرك حمزة شحاته، في لحظة متأخرة أن حياته لم تكن «حياته»، بل سيرة تمّت كتابتها بفعل الآخرين من أسرة، مجتمع، منظومة، وظيفة، شهرة، تصورات عن النجاح والخير والشر..
فهل ندرك نحن ذلك مبكراً؟!
كم من موظف يعمل في غير تخصصه الذي درسه، ومُبدع قضى مسيرة دراسية طويلة من حياته في مجال لا يحبه، وكاتب لا يعبر عن قناعته، وأزواج اختاروا مصائرهم على حسابهم مشاعرهم وارتياحهم!
هل كسرنا ذلك القيد الذي رآه حمزة يلفّ العقل والخلق، ويحول السلوك إلى قيد أخلاقي مستحيل الفكاك؟
أم أن كل ما تغير منذ نصف قرن هو أن أدوات التقييد أصبحت رقمية؟
اليوم، نحن نعيش في زمن يمنحك ألف طريقة لتختار؛ وظيفتك، ملابسك، نوع قهوتك، زوجتك، بل وحتى اسمك.
لكن الحقيقة المرة: أن ما نسميه «حرية اختيار» عند غالبيتنا مرهون بالخوف من النتيجة، وليس سوى نسخة حديثة من الوهم ذاته الذي سخر منه شحاتة قبل عقود، وقدّم لنا وصفاً لحالنا نحن الذين تأخرنا في لقاء أنفسنا، أو ربما لم نلقها قط.
فالقلق الذي سكن كلماته، هو القلق ذاته الذي يعتصر أبناء هذا العصر: شعور دائم بأننا نُجبر بقناعة على مصائر لا تشبهنا من وظائف وحياة وقرارات وغيرها، وتدفعنا لتقمّص أدوار لا نؤمن بها، والركض في سباق لم نختر خط بدايته، ولا نعرف غايته.
نحن اليوم نُقيد أنفسنا طواعية، نخشى الصدق مع الذات، نخاف من المستقبل، نهرب إلى الضجيج، ونستمع للآراء أكثر من التفكير فيها.
فهل نحن نعيش أم نُستهلك؟ وهل نملك مصائرنا أم نمثلها في مسرح الآخرين؟
أسئلة بحاجة إلى أن نجيب عنها بوعي وصدق.
أخبار ذات صلة
0 تعليق