عاجل

«الأعدقاء» الجُدد - بوابة اخر ساعة

0 تعليق ارسل طباعة

لم يكن أحد ليتخيّل قبل أشهر فقط أن تنزلق العلاقة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والملياردير إيلون ماسك إلى هذا الحدّ من التصعيد، فعلى مدار السنوات القليلة الماضية، بدا أن الرجلين يسيران في خطٍ متوازٍ، ترامب يسعى لاستعادة شعبيته ونفوذه السياسي، وماسك يحاول توسيع نفوذه الاقتصادي والتقني، وممارسة تأثير متزايد على الخطاب العام، خاصة عبر منصته «إكس».
وكان التقاطع بينهما محكوماً بالمنفعة المتبادلة، ترامب وفّر بيئة مواتية لنمو أعمال ماسك، سواء عبر الإعفاءات الضريبية أو العقود الحكومية الكبرى، التي صبّت في صالح «تيسلا» و«سبيس إكس»، والأخير قدّم دعماً مالياً وإعلامياً مهماً للحزب الجمهوري في الانتخابات الأخيرة.
لكن السياسة، كعادتها، لا تعترف بالمعادلات الثابتة، والمصالح لا تدوم، وكأن سيمفونية التحالف انكسرت على نغمة نشاز من الطموح المتصادم.
وكما هو الحال في قصص «الأعدقاء» الكلاسيكية، حدث ما لم يكن في الحسبان. لتتحول القصة، الأشهر حالياً، من تحالف ثنائي براغماتي إلى صراع علني، يعكس هشاشة تحالفات مبنية على المصالح وغياب الثقة المستدامة.
«الأعدقاء»، توصيفٌ يُستخدم كثيراً في عالم الأعمال والسياسة، وحتى في الثقافات والموروثات الشعبية الاجتماعية، للدلالة على أشخاص أو جماعات تربطهم علاقة ظاهرها الصداقة أو التعاون، وباطنها التوتر، والغيرة، أو الخصومة الخفية، وقد تتحوّل لاحقاً إلى عداوة صريحة. إنهم أولئك الذين تجمعهم المصالح في لحظة، ثم تفرّقهم التناقضات عند أول منعطف.
وانفجرت العلاقة بين الاثنين مع تمرير مشروع «القانون الكبير والجميل»، «ون بيغ بيوتيفل»، وهو حزمة تشريعية ضخمة دفع بها ترامب، ويُتوقع أن تُكبّد الميزانية الحكومية ما يفوق خمسة تريليونات دولار من الإنفاق، بما في ذلك إلغاء بعض الإعفاءات الضريبية على المركبات الكهربائية، العمود الفقري لنموذج أعمال «تيسلا».
وتحسّس ماسك الخطر المحدق بأعماله، فلم يلتزم الصمت، بل على العكس، هاجم القانون مراراً بلهجة لاذعة، واصفاً إياه ب «عبودية ديون»، وتعهّد بدعم خصوم سياسيين في وجه كل من أيدوا تمريره من الجمهوريين، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، وكتب على «إكس» بأنه حان الوقت لتأسيس حزب جديد، في خطوة وضعته في مواجهة مباشرة مع المؤسسة الجمهورية الحاكمة.
لم تكن هذه مجرد معارضة لمشروع قانون، بل تمرد على المسار السياسي برمّته، يقوده أحد أبرز رموز وادي السيليكون. ومن هنا، تحوّل «الصديق» إلى «عدو»، أو «عدو-صديق» بتعبير أدق.
ردُّ ترامب لم يكن أقل حدة، فالرجل الذي يُتقن فن المواجهة الإعلامية، هدّد في سلسلة من التصريحات، التي جمعت بين التهكم والوعيد، بمراجعة الدعم الحكومي لشركات ماسك، لا بل وشكّك في وطنيته، وألمح حتى إلى إمكانية ترحيله إلى جنوب إفريقيا، (مسقط رأسه)، وفي تعبير لا يخلو من الشعبوية، بدا الرئيس الأمريكي وكأنه يقول: أنا من صَنَعك، وأنا قادر على تحطيمك.. إن لم تكن معنا فأنت ضدنا.
يذكّرنا هذا المشهد، الذي تتجلى فيه كل ملامح «الأعدقاء»، بأن المفهوم لا يولد هكذا فجأة، بل هو انعكاس لمرحلة تعايش قائمة على الحذر، شراكة قائمة على المصلحة، لا المبادئ، ثم صدام مدوٍّ، حين تتقاطع الأجندات أو تُهدد المصالح.
هذه ليست المرة الأولى التي نشهد مثل هذه العلاقات، لكنها من النوادر التي تحدث على العلن، بين اثنين من أكثر الشخصيات نفوذاً وإثارة للجدل في أمريكا، «سيّد السلطة وسيّد المال».
وبعيداً عن الطابع الدرامي، فإن هذا الخلاف يعكس تغيراً أعمق في طبيعة السلطة والنفوذ في الولايات المتحدة، إذ لم يعد السياسي وحده هو من يملك المنصة والقرار، فالسلطة بات يتقاسمها اليوم رجال التكنولوجيا الكبار، وهم ليسوا أقل طموحاً أو جسارة من السياسيين.
والصراع بين ماسك وترامب هو جزئياً صراع أجيال، ومن منطق آخر، صراع على من يقود المرحلة المقبلة. فهل ستكون أمريكا ترامب والحمائية والقطب الواحد، أم أمريكا ماسك والانفتاح على الفضاء والذكاء الاصطناعي، وربما حزب ثالث يقوده أغنى رجل في العالم؟
ربما يعود ماسك وترامب يوماً إلى طاولة التحالف، أو ربما يزداد الشرخ بينهما، حتى يتحول إلى صراع مفتوح على النفوذ والتأثير، لكنّ ما لا شك فيه، هو أن علاقتهما أصبحت درساً معبّراً في تقلبات المصالح، وواحدة من أكثر تمثيلات «الأعدقاء» وضوحاً في المشهد الأمريكي الحديث.
حين تتقاطع الطموحات وتضيق دوائر الولاء، تظهر الحقيقة العارية: في السياسة، كما في البزنس، لا صديق دائم ولا عدو دائم، فقط مصلحة آنيّة، قد تتحوّل في لحظة إلى ساحة حرب.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق